سيارة الدوظوطو خط حربنوش - معرة مصرين
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
سيارة الدوظوطو خط حربنوش - معرة مصرين
من قصة قصيرة عنوانها "مقالة في ثلاث حركات " للكاتب خطيب بدلة اخترت هذا المقطع :
- كل واحد إلى مكانه:
نحن كتاب العالم الثالث قلما نندهش، لأنه لم يبق شيء في العالم لم نره ولم نعشه، من الكذب، إلى النفاق، إلى الخطط الاقتصادية الوهمية، إلى الخطابات التي يفاخر (خاطبوها) بأنهم يقفون إلى صف العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود، بينما هم، في الواقع، يلعنون سنسفيل أجداد العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود،.. إلى الوقوف في وجه مبدأ تكافؤ الفرص، إلى الاتجار بالوطنية، وتفريخ الكتاب الصغار الذين لا شغل لهم غير المزاودة على الكتاب الوطنيين، والتلويح لهم بالوشايات الكاذبة التي تجدُ لها في كل وقت آذاناً صاغية..
ومع ذلك فقد اندهشت حينما اتصل بي صديقي الذي حدثتكم عنه قبل قليل.
لقد اتصل بي من بطاقة (ألو سورية) لأنه لا يمتلك موبايلاً، وخَطُّهُ محجوب عن النداءين القطري والدولي، لأنه فقير، بائس، مسكين، لا يهش ولا يكش ولا يعض ولا يخرمش.. ولا شوكة له ولا ذباحة، ولا ناقة له ولا جمل، يمشي بجوار الحائط ويقول: يا رب سترك..
إنه يعيل ثمانية أولاد- وأمهم إلهام- ويسكن معهم في بيت من جنس المساكن الشعبية، يتألف من ثلاث غرف من دون صالون،.. ويطعمهم من أدنى (ما تطعمون أهليكم)، أو مما يصطلح عليه أحياناً باسم (قوت اللايموت)، ويصطلح عليه أحياناً أخرى باسم (حشو المصارين)..
اندهشت، إذن، على نحو كبير، حينما أعلمني بأنه زَوَّجَ ابنَهُ الكبير في (نفس) البيت الذي يسكن فيه مع أولاده الثمانية وأمهم إلهام!
قلت: عفواً للمقاطعة، واعذرني على (حشريتي) وتدخلي فيما لا يعنيني. أرجوك قل لي، كيف توزعتم في البيت بعد قدوم زوجة المحروس، كنة الهنا؟
ضحك على طريقة الشيخ إمام في أغنية "البحر بيضحك ليه ليه ليه" حينما يغني من كلمات نجيب سرور:
مساكين بنضحك من البلوى
زي الديوك والروح حلوة
سارقاها من السكين حموة
ولسه جوة القلب أمل
وقال لي: اسمع هذه الحكاية وخذ منها عبرة. من زمان يا أستاذ كانت توجد في قرية (حربنوش) الجبلية التابعة لبلدة (معرتمصرين) سيارة سائحة عامة ذات خمسة مقاعد ماركتها (دوزوتو) ولكن أهل المنطقة كلهم يلفظونها (ضوظوطّو)،.. كانت تعمل على البنزين ولكن الميكانيكيين الأرمن أصحاب الأنامل الذهبية استطاعوا أن يحولوها إلى (الديزل) ودَبَّلوا لها المقصات الحديدية السفلية، فأصبحت قوية ومجنحة مثل عربة (البتي إر) السوفييتية، وكان كل الركاب الذين يأتون من حربنوش إلى معرتمصرين من أجل إنجاز معاملاتهم الإدارية والتسوق في بازار معرتمصرين يركبون فيها مهما بلغ عددهم، وكان سائقها يكرجها في الفيء بجوار (مقهى الشايب) حتى يخرج الناس من صلاة الظهر، فيتجمعون بجوار المقهى، فإذا ما اكتملوا أوعز لهم السائق بالصعود إلى السيارة وانطلق بهم..
ولم تكن تلك المنطقة قد سمعت، يومذاك، بشيء اسمه شرطة المرور، إلى أن جاء يوم، يا مرحوم البي، وبينما كانت السيارة تمشي وتتمايل ببطء مثل بعير نُصب على ظهره هودج لعاشقين من أبناء الذوات، وإذا بشرطيين واقفين عند مفرق قرية (كفر اليحمول)، استوقفاها، وطلبا من الركاب أن ينزلوا، وبعد أن نزلوا طلبا من السائق تقديم أوراقه لكي (ينفضوه) بضبط مخالفة (لا يقف عليه حكيم!). وفجأة خطرت لأحد الشرطيين فكرة نفذها في العجل. عد الركاب فوجدهم تسعة عشر راكباً (ونصف راكب كما كتب المرحوم فارس زرزور في قصته الشهيرة: واحد وأربعون راكباً ونصف!).. وقال للسائق:
- أنا مستعد لأن أعفيك من ضبط المخالفة إذا أنت شرحت لي الكيفية التي استطعت بموجبها إركاب كل هؤلاء البشر ضمن سيارتك الصغيرة هذه.
قال السائق للشرطي: بسيطة.
وقال للركاب: كل واحد يصعد إلى مكانه!
فتعربشوا بالسيارة وتموضعوا في أماكنهم بسرعة البرق.
انتهى صديقي من رواية الطرفة، ثم قال لي:
- ركابي أنا في البيت مثل ركاب سيارة حربنوش. كل واحد منهم يعرف كيف (يدبر رأسه). والكنة الجديدة سرعان ما انخرطت في جونا وصارت مثلنا. فقد انسجمت مع (ركاب) البيت فما عاد أحدٌ يتذكر، أو يستطيع أن يحدد التاريخَ الذي انضمت فيه إلينا، وقد زاد انسجامها مع الجو عن الحد المألوف حينما أخذت تلدُ- أو بلغة أهل معرتمصرين: (تبظُّ)- ولداً كلما حال الحول!
وأوضح: إن الولد الذي يبلغ عمره حولاً واحداً يسمى- بلغة مُرَبّي الجِمَال- (الحايل). والحايل بدوره يتقمص شخصية والدته في مجال الانسجام مع الجو، فيحبو، وينسلُّ ساعياً في الفراغات المحدثة وسط الازدحام، تاركاً والدته ترعى أخاه الصغير ابن اليومين،.. ووالدتُه، بدورها، تتحين الفرص (للتوصية) على ولد قادم, باختصار يا أستاذ، الآن، في هذه اللحظة التاريخية، وأنا أحكي معك، صار عدد أولاد ابني خمسة، وزوجته حامل، وصار مجموع أفراد الأسرة التي أعيلُها أنا ست عشرة نسمة ...
وضعت يدي على ما أبقى الدهرُ من شعرات في رأسي، فقد أحسست بهن يرتفعن إلى الأعلى كشوك القنفذ، وقلت له:
- أفهم من هذا الكلام أن ابنك حينما تزوج لم يكن يعمل؟!
قال: أكذب عليك إذا قلت لك إنه اشتغل بما قيمته قرش سوري واحد من يوم أن تزوج، لا بل، من يوم أن خلقه الله! وكذلك أخوه الذي يطلب مني أن أزوجه.. أسوة بأخيه! - 22/ 06/ 2009 خطيب بدلة
- كل واحد إلى مكانه:
نحن كتاب العالم الثالث قلما نندهش، لأنه لم يبق شيء في العالم لم نره ولم نعشه، من الكذب، إلى النفاق، إلى الخطط الاقتصادية الوهمية، إلى الخطابات التي يفاخر (خاطبوها) بأنهم يقفون إلى صف العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود، بينما هم، في الواقع، يلعنون سنسفيل أجداد العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود،.. إلى الوقوف في وجه مبدأ تكافؤ الفرص، إلى الاتجار بالوطنية، وتفريخ الكتاب الصغار الذين لا شغل لهم غير المزاودة على الكتاب الوطنيين، والتلويح لهم بالوشايات الكاذبة التي تجدُ لها في كل وقت آذاناً صاغية..
ومع ذلك فقد اندهشت حينما اتصل بي صديقي الذي حدثتكم عنه قبل قليل.
لقد اتصل بي من بطاقة (ألو سورية) لأنه لا يمتلك موبايلاً، وخَطُّهُ محجوب عن النداءين القطري والدولي، لأنه فقير، بائس، مسكين، لا يهش ولا يكش ولا يعض ولا يخرمش.. ولا شوكة له ولا ذباحة، ولا ناقة له ولا جمل، يمشي بجوار الحائط ويقول: يا رب سترك..
إنه يعيل ثمانية أولاد- وأمهم إلهام- ويسكن معهم في بيت من جنس المساكن الشعبية، يتألف من ثلاث غرف من دون صالون،.. ويطعمهم من أدنى (ما تطعمون أهليكم)، أو مما يصطلح عليه أحياناً باسم (قوت اللايموت)، ويصطلح عليه أحياناً أخرى باسم (حشو المصارين)..
اندهشت، إذن، على نحو كبير، حينما أعلمني بأنه زَوَّجَ ابنَهُ الكبير في (نفس) البيت الذي يسكن فيه مع أولاده الثمانية وأمهم إلهام!
قلت: عفواً للمقاطعة، واعذرني على (حشريتي) وتدخلي فيما لا يعنيني. أرجوك قل لي، كيف توزعتم في البيت بعد قدوم زوجة المحروس، كنة الهنا؟
ضحك على طريقة الشيخ إمام في أغنية "البحر بيضحك ليه ليه ليه" حينما يغني من كلمات نجيب سرور:
مساكين بنضحك من البلوى
زي الديوك والروح حلوة
سارقاها من السكين حموة
ولسه جوة القلب أمل
وقال لي: اسمع هذه الحكاية وخذ منها عبرة. من زمان يا أستاذ كانت توجد في قرية (حربنوش) الجبلية التابعة لبلدة (معرتمصرين) سيارة سائحة عامة ذات خمسة مقاعد ماركتها (دوزوتو) ولكن أهل المنطقة كلهم يلفظونها (ضوظوطّو)،.. كانت تعمل على البنزين ولكن الميكانيكيين الأرمن أصحاب الأنامل الذهبية استطاعوا أن يحولوها إلى (الديزل) ودَبَّلوا لها المقصات الحديدية السفلية، فأصبحت قوية ومجنحة مثل عربة (البتي إر) السوفييتية، وكان كل الركاب الذين يأتون من حربنوش إلى معرتمصرين من أجل إنجاز معاملاتهم الإدارية والتسوق في بازار معرتمصرين يركبون فيها مهما بلغ عددهم، وكان سائقها يكرجها في الفيء بجوار (مقهى الشايب) حتى يخرج الناس من صلاة الظهر، فيتجمعون بجوار المقهى، فإذا ما اكتملوا أوعز لهم السائق بالصعود إلى السيارة وانطلق بهم..
ولم تكن تلك المنطقة قد سمعت، يومذاك، بشيء اسمه شرطة المرور، إلى أن جاء يوم، يا مرحوم البي، وبينما كانت السيارة تمشي وتتمايل ببطء مثل بعير نُصب على ظهره هودج لعاشقين من أبناء الذوات، وإذا بشرطيين واقفين عند مفرق قرية (كفر اليحمول)، استوقفاها، وطلبا من الركاب أن ينزلوا، وبعد أن نزلوا طلبا من السائق تقديم أوراقه لكي (ينفضوه) بضبط مخالفة (لا يقف عليه حكيم!). وفجأة خطرت لأحد الشرطيين فكرة نفذها في العجل. عد الركاب فوجدهم تسعة عشر راكباً (ونصف راكب كما كتب المرحوم فارس زرزور في قصته الشهيرة: واحد وأربعون راكباً ونصف!).. وقال للسائق:
- أنا مستعد لأن أعفيك من ضبط المخالفة إذا أنت شرحت لي الكيفية التي استطعت بموجبها إركاب كل هؤلاء البشر ضمن سيارتك الصغيرة هذه.
قال السائق للشرطي: بسيطة.
وقال للركاب: كل واحد يصعد إلى مكانه!
فتعربشوا بالسيارة وتموضعوا في أماكنهم بسرعة البرق.
انتهى صديقي من رواية الطرفة، ثم قال لي:
- ركابي أنا في البيت مثل ركاب سيارة حربنوش. كل واحد منهم يعرف كيف (يدبر رأسه). والكنة الجديدة سرعان ما انخرطت في جونا وصارت مثلنا. فقد انسجمت مع (ركاب) البيت فما عاد أحدٌ يتذكر، أو يستطيع أن يحدد التاريخَ الذي انضمت فيه إلينا، وقد زاد انسجامها مع الجو عن الحد المألوف حينما أخذت تلدُ- أو بلغة أهل معرتمصرين: (تبظُّ)- ولداً كلما حال الحول!
وأوضح: إن الولد الذي يبلغ عمره حولاً واحداً يسمى- بلغة مُرَبّي الجِمَال- (الحايل). والحايل بدوره يتقمص شخصية والدته في مجال الانسجام مع الجو، فيحبو، وينسلُّ ساعياً في الفراغات المحدثة وسط الازدحام، تاركاً والدته ترعى أخاه الصغير ابن اليومين،.. ووالدتُه، بدورها، تتحين الفرص (للتوصية) على ولد قادم, باختصار يا أستاذ، الآن، في هذه اللحظة التاريخية، وأنا أحكي معك، صار عدد أولاد ابني خمسة، وزوجته حامل، وصار مجموع أفراد الأسرة التي أعيلُها أنا ست عشرة نسمة ...
وضعت يدي على ما أبقى الدهرُ من شعرات في رأسي، فقد أحسست بهن يرتفعن إلى الأعلى كشوك القنفذ، وقلت له:
- أفهم من هذا الكلام أن ابنك حينما تزوج لم يكن يعمل؟!
قال: أكذب عليك إذا قلت لك إنه اشتغل بما قيمته قرش سوري واحد من يوم أن تزوج، لا بل، من يوم أن خلقه الله! وكذلك أخوه الذي يطلب مني أن أزوجه.. أسوة بأخيه! - 22/ 06/ 2009 خطيب بدلة
morad- المدير العام
-
العمر : 42
البلد : سورية الأسد
عدد المشاركات : 640
تاريخ التسجيل : 18/07/2009
الأوسمة الممنوحة :
رد: سيارة الدوظوطو خط حربنوش - معرة مصرين
شكرا مراد قصة رائعة هههه
ودائما الأستاذ خطيب بدلة يتحفنا بزاويته الخاصة
ودائما الأستاذ خطيب بدلة يتحفنا بزاويته الخاصة
omar95- نائب المدير العام
-
العمر : 29
البلد : سوريا
العمل/الترفيه : طالب
المزاج : رايق
عدد المشاركات : 992
تاريخ التسجيل : 18/10/2009
الأوسمة الممنوحة :
رد: سيارة الدوظوطو خط حربنوش - معرة مصرين
قصه متنوعه يوجد بها العبره الكامله من كل زواياها
ولا اخفيكم سرا ان اصحاب الدخل المحدود لم يبقى لهم الا ان يسرقوا في وضح النهار لاطعام اهلهم
فلم يبقى لدينا الطبقه الوسطى اما فوووووووووووق او اما تحت تحت
الله يسترنا
والبلديه ما بتعطي مخالفه لأبو أظافر كبيره بتعطي للفقير بس خاصه صاحب العربايه الخربانه
وصاحب التوزوتو
ولا اخفيكم سرا ان اصحاب الدخل المحدود لم يبقى لهم الا ان يسرقوا في وضح النهار لاطعام اهلهم
فلم يبقى لدينا الطبقه الوسطى اما فوووووووووووق او اما تحت تحت
الله يسترنا
والبلديه ما بتعطي مخالفه لأبو أظافر كبيره بتعطي للفقير بس خاصه صاحب العربايه الخربانه
وصاحب التوزوتو
رد: سيارة الدوظوطو خط حربنوش - معرة مصرين
موضوع رااائع بارك الله فيك
MADREGAl- عضو مبتدأ
-
العمر : 31
البلد : {سورية الأسد}
عدد المشاركات : 392
تاريخ التسجيل : 29/10/2009
مواضيع مماثلة
» معرة النعمان عبر التاريخ
» لغة العينان في معرة النعمان
» كما وعدتكم هذه صور نادي معرة النعمان
» كفروما وقربها من معرة النعمان
» صور القلعة المنسية قلعة معرة النعمان
» لغة العينان في معرة النعمان
» كما وعدتكم هذه صور نادي معرة النعمان
» كفروما وقربها من معرة النعمان
» صور القلعة المنسية قلعة معرة النعمان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى